الخميس، 27 ديسمبر 2012

تأملات أدبية: جسدك والأرض: بقلم الأديبة والكاتبة الصحفية نادية كيلانى



تأملات أدبية: جسدك والأرض
:
هل تدرك العلاقة بين جسدك والأرض.؟ تعتقد بأنك تدركها فالإنسان مخلوق من طين وهو عنصرا الأرض الماء والتراب، ولكن هل تعتقد أنك تطورت كثيرا عن الأرض.؟ الحقيقة لا.. بل أنت تدور في الفلك نفسه الذي تحدث فيه دورة الأرض، فأنت تتجدد مثل الأرض تماما.. هيا نتأمل معا بعض التشابه.
جسدك مزرعة مترامية الأطراف، ففي رأسك ينبت الشعر، وكلما تقصه من أطرافه للتخلص من حوافه البالية الجافة ينمو بدلا منه الجديد كما يحدث في شواشي الشجر.
في أطراف أصابع يديك وقدميك تزرع الأظافر، فإن لم تقلمها تقصفت وحدها لتبدأ في النمو من جديد أكثر قوة ربما، ومن الفكين تنمو الأسنان وهذه يتجدد زرعها لمرة واحدة في العمر.
أما جلدك فله قصة غريبة فهو يتهرأ ويتطاير في الهواء كما تفعل البذور وحبوب اللقاح، ويتجدد جلدك من آن لآخر، حتى أن من اسمائه الأديم مثلما نقول أديم الأرض، وأديم كل شيء ظاهره.
كما يتجدد دمك كل ستة شهور على الأكثر.. عظامك كلما كسرت نمت والتأمت وحدها بمضي الوقت، وجسمك يحتاج للحرث والري كالأرض تماما. والحرث هو تمشيط الأرض وتعريض تربتها للشمس، وجسمك ينعشه الدلك وتفتيح المسام، والري هو غسل الأرض من الأملاح والشوائب، وهو للإنسان أيضا لغسل الجسم من الأملاح والسموم.
والغريب كلما اتسعت رؤية العلم وتقدم الطب اقترب جسدك من الأرض.. فهذا زرع نخاع، وذاك زرع قلب، وزرع قرنية، وكلية، وشرايين، وزرع شعر وأسنان وأطراف، وأنت معرض لأن تزرع عضوا وراء عضو وأيضا تبتر عضوا وراء عضو.
فهل عزيزي المتأمل يحق لك بعد أن تتعافى من إحدى عمليات الزرع هذه أن تتطاول بقامتك لعلك تدرك السماء، أو تحاول الخروج من الجاذبية الأرضية.؟!
لا لن تقدر على هذا وما عليك إلا أن تتواضع لله ومن تواضع لله رفعه.
قال الشاعر ايليا ابو ماضي:
نسي الطين ساعة أنه طين = حقير فسار تيها وعربد
وكسا الخز جسمه فتباهى = وحوى المال كيسه فتمرد
وكيف ترضى لنفسك أن تخرج من جاذبية الأرض، والزراعة هي أصل الحياة وبداية تعمير الكون بالاستقرار وبناء الأسرة.. والإنسان والدواب مسخران لخدمة الأرض ومن منتجات الأرض تأكل وتلبس، ومن منظر الخضرة تستمتع وترى الكون جميلا، والمتأمل في الزراعة.. كيف توضع البذرة في أرض سوداء، وكيف تخرج النبتة من باطن الأرض، وتعلو وتشب وتختلف ألوانها وتختلف طعومها تشعر بحكمة عظيمة يدلنا بها الله على دورة الكون، ودورة حياتك فالأرض تحتاج إلى السماد كما تحتاج أنت للغذاء، ومن فضلات غذائك سماد الأرض، ومن ناتج السماد غذاء لك وأخيرا فإن الأرض تجري لمستقر لها  كما أنك في النهاية تستقر في باطنها.
جريدة الزمان/ 15 يونيو 1999

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق