تأملات أدبية: إننا نتألم
هل يجوز أن يعيش الإنسان
وحيدا مبتعدا عن الناس تجنبا لأذاهم.؟ طرحت على نفسي السؤال عندما وجدت أحدهم وقد جاء
مسرعا واصطدم بي ثم أكمل سيره دون أن يلتفت أو يعتذر، غير مدرك بما سببه لكتفي من ألم
شديد.
تنحيت جانبا من الطريق
بعيدا عن المارة والسيارات وخاطبت نفسي:
"ما أبسط تجنب الشر،
فبهذه الطريقة البسيطة يمكنني تجنب الزحام والاصطدام بالمارة.
فكم من سيارات مجنونة
ومركبات متنوعة كلها تفر في نهر الشارع في عجلة محمومة، فتكون النتيجة الصدام والتوقف
والعطلة بدلا من الإسراع.
وكم من أناس تهوى المشاغبة
والعراك بلا داع والاعتداء عليك بلا مبرر، فضلا عن آخرين لا يحسنون السير بحذر فيصيبهم
أذى لا داعي له.
توهمتُ بأنني بهذا التجنب
قد وفرت على نفسي كثيرا من العناء ورحت أحمي نفسي من الضوضاء والغوغاء التي تزحم الفضاء
من حولنا.. فتقدم لنا هواء ملوثا يضج بحروف كل اللغات والأصوات.
ولكي أتمم لنفسي أسباب
الهناء رحت أسبح مع خيالاتي مستدعية كل حدث طريف، وكل فكرة رائقة، فتطفو على شفتي بسمة
خفيفة من آن لآخر تكون بمثابة درع الأمان من منجزات الآن واختراعات البشر.
ولما شعرت بكامل الراحة
وأنا أسير على مهل مستمتعة بالجو المشمس والنسيم المنعش إذا بألم شديد يعجز قدمي عن
الانتقال ومواصلة المشي.
لم يكن مصدر الألم مجهولا..
فقد ضربت قدمي اليمنى ساق اليسرى بلا إرادة ربما، أو كانت تتفادى شيئا مجهولا لا أدري،
المهم أنه حدث اعتداء من قدمي على الأخرى.
تملكتني الدهشة وحالة
من التأمل وطفر السؤال المهم.
هل تستطيع أن تمنع الأذى
عن نفسك.؟ وأن تحمي نفسك من أن تتألم.؟
هل تقدر أن تضع نفسك
في برج عال مبطن بالاسفنج حتى لا ترطدم بحائط أو بأرض.؟ ولا تخرج من بيتك حتى لا تصطدم
بسيارة أو بإنسان غليظ الطباع له يد من حديد وقلب من فولاذ.؟.. وإن استطعت هل تقدر
أن تمنع نفسك فعلا من الألم.؟!
فأنت معرض لأن تعض لسانك
وأن تطرف عينك بإصبعك، حتى وأن تصفع نفسك كفا دون قصد أو أن تجرح جلدك بظفرك، ناهيك
عن عدد مرات الشرقة والغصة ودخول الطعام في مكان الهواء، واستعراض شوكة السمك في حلقك
وقد أدخلتها بيدك إلى فمك.
كل هذا الأذى وغيره يتعرض
له الإنسان من حين لآخر فقد خلق وكتب عليه أن يتألم، وغير الأذى البدني هناك الأذى
النفسي ويكون من النفس أيضا، فقد وصف الله سبحانه وتعالى هذه النفس فقال:
"إن النفس لأمارة
بالسوء"
جريدة الزمان/
25 مايو 1999
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق